فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (44):

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44)}
بين السنة التي ذكرها، أي أو لم يروا ما أنزلنا بعاد وثمود، وبمدين وأمثالهم لما كذبوا الرسل، فتدبروا ذلك بنظرهم إلى مساكنهم ودورهم، وبما سمعوا على التواتر بما حل بهم، أفليس فيه عبرة وبيان لهم، ليسوا خيرا من أولئك ولا أقوى، بل كان أولئك أقوى، دليله قوله: {وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} أي إذا أراد إنزال عذاب بقوم لم يعجزه ذلك. {إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً}.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45)}
قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا} يعني من الذنوب. {ما ترك على ظهرها من دابة} قال ابن مسعود: يريد جميع الحيوان مما دب ودرج. قال قتادة: وقد فعل ذلك زمن نوح عليه السلام.
وقال الكلبي: {مِنْ دَابَّةٍ} يريد الجن والانس دون غيرهما، لأنهما مكلفان بالعقل.
وقال ابن جرير والأخفش والحسين بن الفضل: أراد بالدابة هنا الناس وحدهم دون غيرهم. قلت: والأول أظهر، لأنه عن صحابي كبير. قال ابن مسعود: كاد الجعل أن يعذب في حجره بذنب ابن آدم.
وقال يحيى بن أبي كثير: أمر رجل بالمعرف ونهى عن المنكر، فقال له رجل: عليك بنفسك فإن الظالم لا يضر إلا نفسه. فقال أبو هريرة: كذبت؟ والله الذي لا إله إلا هوثم قال- والذي نفسي بيده إن الحبارى لتموت هزلا في وكرها بظلم الظالم.
وقال الثمالي ويحيى بن سلام في هذه الآية: يحبس الله المطر فيهلك كل شي. وقد مضى في البقرة نحو هذا عن عكرمة ومجاهد في تفسير {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم. وذكرنا هناك حديث البراء ابن عازب قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} قال: «دواب الأرض». {وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} قال مقاتل: الأجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ.
وقال يحيى: هو يوم القيامة. {فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ} أي بمن يستحق العقاب منهم {بَصِيراً}. ولا يجوز أن يكون العامل في {إذا} {بَصِيراً} كما لا يجوز: اليوم إن زيدا خارج. ولكن العامل فيها {جاءَ} لشبهها بحروف المجازاة، والأسماء التي يجازى بها يعمل فيها ما بعدها. وسيبويه لا يرى المجازاة بـ {إذا} إلا في الشعر، كما قال:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ** خطانا إلى أعدائنا فنضارب

ختمت سورة فاطر والحمد لله.

.سورة يس:

سورة يس وهي مكية بإجماع. وهي ثلاث وثمانون آية، إ لا أن فرقة قالت: إن قوله تعالى {وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ} [يس: 12] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم، وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على ما يأتي. وفى كتاب أبى داود عن معقل بن يسار قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقرءوا يس على موتاكم».
وذكر الآجري من حديث أم الدرداء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه». وفي مسند الدارمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة» خرجه أبو نعيم الحافظ أيضا. وروى الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات» قال: هذا حديث غريب، وفي إسناده هارون أبو محمد شيخ مجهول، وفي الباب عن أبي بكر الصديق، ولا يصح حديث أبي بكر من قبل إسناده، وإسناده ضعيف. وعن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن في القرآن لسورة تشفع لقرائها ويغفر لمستمعها ألا وهي سورة يس تدعى في التوراة المعمة» قيل: يا رسول الله وما المعمة؟ قال: «تعم صاحبها بخير الدنيا وتدفع عنه أهاويل الآخرة وتدعى الدافعة والقاضية» قيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: «تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة ومن قرأها عدلت له عشرين حجة ومن سمعها كانت له كألف دينار تصدق بها في سبيل الله ومن كتبها وشربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف نور وألف يقين وألف رحمة وألف رأفة وألف هدى ونزع عنه كل داء وغل». ذكره الثعلبي من حديث عائشة، والترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه مسندا. وفي مسند الدارمي عن شهر بن حوشب قال قال ابن عباس: من قرأ يس حين يصبح أعطي يسر يومه حتى يمسي ومن قرأها في صدر ليلته أعطي يسر ليلته حتى يصبح. وذكر النحاس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لكل شي قلب وقلب القرآن يس من قرأها نهارا كفي همه ومن قرأها ليلا غفر ذنبه. وقال شهر ابن حوشب: يقرأ أهل الجنة طه ويس فقط. رفع هذه الأخبار الثلاثة الماوردي فقال: روى الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن لكل شي قلبا وإن قلب القرآن يس ومن قرأها في ليلة أعطي يسر تلك الليلة ومن قرأها في يوم أعطي يسر ذلك اليوم وإن أهل الجنة يرفع عنهم القرآن فلا يقرءون شيئا إلا طه ويس». وقال يحيى بن أبي كثير: بلغني أن من قرأ سورة يس ليلا لم يزل في فرح حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، وقد حدثني من جربها، ذكره الثعلبي وابن عطية، قال ابن عطية: ويصدق ذلك التجربة. وذكر الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن الصلت عن عمر بن ثابت عن محمد بن مروان عن أبي جعفر قال: من وجد في قلبه قساوة فليكتب يس في جام بزعفران ثم يشربه، حدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا أصرم بن حوشب، عن بقية بن الوليد، عن المعتمر بن أشرف، عن محمد بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «القرآن أفضل من كل شي دون الله وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه فمن وقر القرآن فقد وقر الله ومن لم يوقر القرآن لم يوقر الله وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده. القرآن شافع مشفع وما حل مصدق فمن شفع له القرآن شفع ومن محل به القرآن ص، دق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار. وحملة القرآن هم المحفوفون بحرمة الله الملبسون نور الله المعلمون كلام الله من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله، يقول الله تعالى: يا حملة القرآن استجيبوا لربكم بتوقير كتابه يزدكم حبا ويحببكم إلى عباده يدفع عن مستمع القرآن بلوى الدنيا ويدفع عن تالي القرآن بلوى الآخرة ومن استمع آية من كتاب الله كان له أفضل مما تحت العرش إلى التخوم وإن في كتاب الله لسورة تدعى العزيزة ويدعى صاحبها الشريف يوم القيامة تشفع لصاحبها في أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة يس». وذكر الثعلبي عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قرأ سورة يس ليلة الجمعة أصبح مغفورا له». وعن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد حروفها حسنات».

.تفسير الآيات (1- 5):

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)}
قوله تعالى: {يس} في يس أوجه من القراءات: قرأ أهل المدينة والكسائي {يس والقرآن الحكيم} بإدغام النون في الواو. وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة {يس} بإظهار النون. وقرأ عيسى بن عمر {يسن} بنصب النون. وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم {يسن} بالكسر. وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السميقع {يسن} بضم النون، فهذه خمس قراءات. القراءة الأولى بالإدغام على ما يجب في العربية، لأن النون تدغم في الواو. ومن بين قال سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها، وإنما يكون الإدغام في الإدراج. وذكر سيبويه النصب وجعله من جهتين: إحداهما أن يكون مفعولا ولا يصرفه، لأنه عنده اسم أعجمي بمنزلة هابيل، والتقدير أذكر يسئن. وجعله سيبويه اسما للسورة. وقوله الآخر أن يكون مبنيا على الفتح مثل كيف وأين. وأما الكسر فزعم الفراء أنه مشبه بقول العرب جير لا أفعل، فعلى هذا يكون {يسن} قسما. وقاله ابن عباس.
وقيل: مشبه بأمس وحذام وهؤلاء ورقاش. وأما الضم فمشبه بمنذ وحيث وقط، وبالمنادي المفرد إذا قلت يا رجل، لمن يقف عليه. قال ابن السميقع وهارون: وقد جاء في تفسيرها: يا رجل فالأولى بها الضم. قال ابن الأنباري {يس} وقف حسن لمن قال هو افتتاح للسورة. ومن قال: معنى {يس} يا رجل لم يقف عليه. وروي عن ابن عباس مسعود وغيرهما أن معناه يا إنسان، وقالوا في قوله تعالى: {سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ} [الصافات: 130] أي على آل محمد.
وقال سعيد بن جبير: هو اسم من أسماء محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودليله {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}. قال السيد الحميري:
يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة ** وعلى المودة إلا آل ياسين

وقال أبو بكر الوراق: معناه يا سيد البشر.
وقيل: إنه اسم من أسماء الله، قال مالك. روى عنه أشهب قال: سألته هل ينبغي لأحد أن يتسمى بياسين؟ قال: ما أراه ينبغي لقول الله: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} يقول هذا اسمي يس. قال ابن العربي هذا كلام بديع، وذلك أن العبد يجوز له أن يتسمى باسم الرب إذا كان فيه معنى منه، كقوله: عالم وقادر ومريد ومتكلم. وإنما منع مالك من بالتسمية {يسئن}، لأنه اسم من أسماء الله لا يدرى معناه، فربما كان معناه ينفرد به الرب فلا يجوز أن يقدم عليه العبد. فإن قيل فقد قال الله تعالى: {سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ} [الصافات: 130] قلنا: ذلك مكتوب بهجاء فتجوز التسمية به، وهذا الذي ليس بمتهجى هو الذي تكلم مالك عليه، لما فيه من الإشكال، والله أعلم.
وقال بعض العلماء: افتتح الله هذه السورة بالياء والسين وفيهما مجمع الخير: ودل المفتتح على أنه قلب، والقلب أمير على الجسد، وكذلك {يس} أمير على سائر السور، مشتمل على جميع القرآن. ثم اختلفوا فيه أيضا، فقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو بلغة الحبشة.
وقال الشعبي: هو بلغة طي. الحسن: بلغة كلب. الكلبي: هو بالسريانية فتكلمت به العرب فصار من لغتهم. وقد مضى هذا المعنى في طه وفي مقدمة الكتاب مستوفى. وقد سرد القاضي عياض أقوال المفسرين في معنى {يس} فحكى أبو محمد مكي أنه روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لي عند ربي عشرة أسماء» ذكر أن منها طه ويس اسمان له.
قلت: وذكر الماوردي عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن الله تعالى أسماني في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله» قاله القاضي.
وحكى أبو عبد الرحمن السلمي عن جعفر الصادق أنه أراد يا سيد، مخاطبة لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن ابن عباس: {يس} يا إنسان أراد محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: هو قسم وهو من أسماء الله سبحانه.
وقال الزجاج: قيل معناه يا محمد وقيل يا رجل وقيل يا إنسان. وعن ابن الحنفية: {يس} يا محمد. وعن كعب: {يس} قسم أقسم الله به قبل أن يخلق السماء والأرض بألفي عام قال يا محمد: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ثم قال: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}. فإن قدر أنه من أسمائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصح فيه أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم، مو كد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه. وإن كان بمعنى النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته. أقسم الله تعالى باسمه وكتابه أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق. قال النقاش: لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له، وفية من تعظيمه وتمجيده على تأويل من قال إنه يا سيد ما فيه، وقد قال عليه السلام: «أنا سيد ولد آدم» انتهى كلامه.
وحكى القشيري قال ابن عباس: قالت كفار قريش لست مرسلا وما أرسلك الله إلينا، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين. {والْحَكِيمِ} المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض، كما قال: {أُحْكِمَتْ آياتُهُ} وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل. وقد يكون {الْحَكِيمِ} في حق الله بمعنى المحكم بكسر الكاف كا لأليم بمعنى المؤلم {عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي دين مستقيم وهو الإسلام.
وقال الزجاج: على طريق الأنبياء الذين تقدموك، وقال: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} خبر إن، و{عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} خبر ثان، أي إنك لمن المرسلين، وإنك على صراط مستقيم.
وقيل: المعنى لمن المرسلين على استقامة، فيكون قوله: {عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} من صلة الْمُرْسَلِينَ، أي إنك لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة، كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صراط الله} أي الصراط الذي أمر الله به. قوله تعالى: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} قرأ ابن عامر وحفص والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف: {تنزيل} بنصب اللام على المصدر، أي نزل الله ذلك تنزيلا. وأضاف المصدر فصار معرفة كقوله: {فَضَرْبَ الرِّقابِ} [محمد: 4] أي فضربا للرقاب. الباقون {تَنْزِيلَ} بالرفع على خبر ابتداء محذوف أي هو تنزيل، أو الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم. هذا وقرئ: {تنزيل} بالجر على البدل من {الْقُرْآنِ} والتنزيل يرجع إلى الْقُرْآنِ.
وقيل: إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي إنك لمن المرسلين، وإنك {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}. فالتنزيل على هذا بمعنى الإرسال، قال الله تعالى: {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا} [الطلاق: 11- 10] ويقال: أرسل الله المطر وأنزله بمعنى. ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة الله أنزلها من السماء. ومن نصب قال: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إرسالا من العزيز الرحيم. و{الْعَزِيزِ} المنتقم ممن خالفه {الرَّحِيمِ} بأهل طاعته.